فصل: أخباره في الجهاد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.أخباره في الجهاد.

لما بلغ الناصر تغلب العدو على كثير من حصون بلنسية أهمه ذلك وأقلقه وكتب إلى الشيخ أبي محمد بن أبي حفص يستشيره في الغزو فأبى عليه فخالفه وخرج من مراكش سنة تسع وستمائة ووصل أشبيلية واستقر بها واستعد للغزو ثم رجع من أشبيلية وقصد بلاد ابن أذفونش فافتتح قلعة شلبطرة والبخ في طريقه ونازل الطاغية قلعة رياح وبها يوسف بن قادس وأخذ بمخنقه فصالحه على النزول ووصل إلى الناصر فقتله وصار على التعبية إلى الموضع المعروف بالعقاب وقد استعد له الطاغية وجاءه برشلونة مددا بنفسه فكانت الدبرة على المسلمين.
فانكشفوا في يوم بلاء وتمحيص أواخر صفر سنة تسع وستمائة وانكفأ راجعا إلى مراكش فهلك في شعبان من السنة بعدها وكان ابن أذفونش قد ناظر ابن عمه اليهوج صاحب ليون في أن يوالي الناصر ويجر الهزيمة على المسلمين ففعل ذلك.
ثم رجعوا إلى الأندلس بعد الكائنة للإغارة على بلاد المسلمين فلقيهم السيد أبو زكريا ابن أبي حفص بن عبد المؤمن قريبا من أشبيلية فهزمهم وانتعش المسلمون بها واتصلت الحال على ذلك والله أعلم.

.ثورة ابن الفرس.

كان عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الفرس من طبقة العلماء بالأندلس ويعرف بالمهر وحضر مجلس المنصور في بعض الأيام وتكلم بما خشي عاقبته في عقده وخرج من المجلس فاختفى مدة ثم بعد مهلك المنصور ظهر في بلاد كزولة وانتحل الإمامة وادعى أنه القحطاني المراد في قوله صلى الله عليه وسلم:
لا تقوم الساعة حتى يخرج «رجل من قحطان يقود الناس بعصاه يملأها عدلا كما ملئت جورا إلى آخر الحديث».
وكان مما ينسب إليه من الشعر:
قولوا لأبناء عبد المؤمن بن علي ** تأهبوا لوقوع الحادث الجلل

قد جاء سيد قحطان وعالمها ** ومنتهى القول والغلاب للدول

والناس طوعا عصاه وهو سائقهم ** بالأمر والنهي بحر العلم والعمل

وبادروا أمره فالله ناصره ** والله خاذل أهل الزيغ والميل

فبعث الناصر إليه الجيوش فهزموه وقتل وسيق رأسه الى مراكش فنصب بها والله أعلم.

.دولة المستنصر بن الناصر.

لما هلك محمد الناصر بن المنصور بويع ابنه يوسف سنة إحدى عشرة وستمائة وهو ابن ست عشرة سنة ولقب المستنصر بالله وغلب عليه ابن جامع ومشيخة الموحدين فقاموا بأمره.
وتأخرت بيعة أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص من أفريقية لصغر سن المستنصر ثم وقعت المحاولة من الوزير ابن جامع صاحب الأشغال عبد العزيز بن أبي زيد فوصلت بيعته واشتغل المستنصر عن التدبير بما يقتضيه الشباب وعقد للسادة على عمالات ملكه فعقد للسيد أبي إبراهيم أخي المنصور وتلقب بالظاهر على فاس وهو أبو المرتضى وعقد أشبيلية لعمه السيد أبي إسحق الأحول واستولى ألفنش على المعاقل التي أخذها الموحدون وهزم حامية الأندلس ووفد رسوله ابن الفخار فحاوله ابن جامع في السلم فعقده ثم صرف ابن جامع عن الوزارة بعد مهلك ابن أبي زيد بسعاية أبي زيد بن يوجان واستوزر أبا يحيى الهزرجي وولى على الأشغال أبا علي بن أشرفي ثم رضي عن ابن جامع وأعاده وعزل أبا زيد ابن يوجان من ولاية تلمسان بأبي سعيد بن المنصور وبعثه إلى مرسية فاعتقل بها.
واستمرت أيام المنصور في هدنة وموادعه إلى أن ظهر بنو مرين بجهات فاس سنة ثلاث عشرة وستمائة فخرج إليهم واليها السيد أبو إبراهيم في جموع الموحدين فهزموه وأسروه ثم عرفوه وأطلقوه ثم وصل الخبر بمهلك أبي محمد بن أبي حفص صاحب أفريقية فولى عليها أبا العلى أخا المنصور وكان واليا بأشبيلية فعزل وولى على أفريقية سعاية بن مثنى خاصة السلطان فتوجه إليها كما يذكر في أخبار بني أبي حفص.
وخرج بناحية فاس رجل من العبيديين انتسب للعاضد ويسمى بالمهدي فبعث السيد أبو إبراهيم أخو المنصور والي فاس إلى شيعته وبذل لهم المال فتقبضوا عليه وساقوه إليه فقتل وفي سنة تسع عشرة وستمائة عقد المستنصر لعمه أبي محمد المعروف بالعادل على مرسية وعزله عن غرناطة وهلك سنة عشرين وستمائة وقد التاثت الأمور فكان ما نذكر والله تعالى أعلم.

.الخبر عن دولة المخلوع أخي المنصور.

لما هلك المستنصر في الأضحى من سنة عشرين وستمائة اجتمع ابن جامع والموحدون وبايعوا للسيد أبي محمد عبد الواحد أخي المنصور فقام بالأمر وأمر بمطالبة ابن أشرفي بالمال وكتب أخوه لأبي العلا بتجديد الولاية على أفريقية بعد أن كان المستنصر أوعز بعزله فأدركته الولاية ميتا فاستبد بها ابنه أبو زيد المشمر كما نذكره في أخبار أفريقية وأنفذ المخلوع أمره بإطلاق ابن يوجان فأطلق ثم صده ابن جامع عن ذلك وأنفذ أخاه أبا إسحق في الأسطول ليغربه إلى ميورقة كما كان المستنصر أنفذه قبل وفاته وكان الوالي بمرسية أبو محمد عبد الله بن المنصور وأغراه ابن يوجان بالتوثب على الأمر وشهد له أنه سمع من المنصور العهد له بالخلافة من بعد الناصر وكان الناس على كره ابن جامع وولاة الأندلس كلهم بنو منصور فأصغى إليه وكان مترددا في بيعة عمه فدعا لنفسه وتسمى بالعادل وكان إخوته أبو العلى صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سرا.
وكان أبو محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن المعروف بالبياسي صاحب جيان وعزله المخلوع بعمه أبي الربيع بن أبي حفص فانتقض وبايع للعادل وزحف مع أبي العلى صاحب قرطبة وهو أخو العادل إلى أشبيلية وبها عبد العزيز أخو المنصور والمخلوع فدخل في دعوتهم وامتنع السيد أبو زيد بن عبد الله أخي البياسي عن بيعة العادل وتمسك بطاعة المخلوع وخرج العادل من مرسية إلى أشبيلية فدخلها مع أبي زيد بن يوجان وبلغ الخبر إلى مراكش فاختلف الموحدون على المخلوع وبادروا بعزل ابن جامع وتغريبه إلى هسكورة وقام بأمر هنتاتة أبو زكريا يحيى بن أبي يحى السيد ابن أبي حفص وبأمر تينملل يوسف بن علي وبعث على إسطول البحر أبا إسحق بن جامع وأنفذه لمنع الجواز من الزقاق وكان أسر إلى ابن جامع حين خرج إلى هسكورة أن يحاول عليه من هنالك فلم يتم أمره وقتل بمكان خفي في ربيع سنة إحدى وعشرين وستمائة وبعث الموحدون ببيعتهم إلى العادل والله أعلم.